الدولار والجنيه
حالة من الارتباك سادت الأسواق خلال الفترة الأخيرة بسبب الارتفاع الجنونى لسعر صرف الدولار أمام الجنيه.. وأيضا الانخفاض السريع بعد الإجراءات التى تم اتخاذها من جانب القيادة السياسية، وغلق عدد من شركات الصرافة، والإعلان عن توفير الدولار من خلال القروض والمنح، بما يؤكد أن ما هو سائد عبارة عن «مضاربة وسوء إدارة للأزمة» .
أكد عدد من الخبراء أن السبب الرئيسى للأزمة أمران : الأول انخفاض المعروض من الدولار لأسباب تتعلق بانخفاض حاد فى الموارد الدولارية بداية بالسياحة وتحويلات العاملين في الخارج وصولا الى عائدات التصدير وزيادة الطلب عليه من جانب المستوردين وتجار العملة وتخوف المواطنين وقيامهم بتحويل مدخراتهم من الجنيه الى الدولار، والثانى سوء إدارة الأزمة من قبل محافظ البنك المركزى وعدم الجدية من قبل الحكومة فى جذب الاستثمارات الأجنبية وابتكار طرق جديدة وأسواق جديدة للسياحة واتباع الأساليب السهلة البوليسية في مواجهة الأزمة
في البداية ألقى باللوم الدكتور ابراهيم عبدالله استاذ التمويل بالجامعة الامريكية وعضو مجلس ادارة عدد من البنوك فى عدم استقرار سوق الصرف على محافظ البنك المركزى بسبب السياسة المصرفية التي يتبعها،
موضحاً أنه لم يعقد أى اجتماع مع رؤساء البنوك منذ أكثر من ستة أشهر حتى الآن خلافا لما هو متبع فى مصر وباقى دول العالم ومنها أمريكا حيث يعقد على الأقل اجتماع شهري بين رؤساء مجالس إدارات البنوك الذين لديهم احتكاك بالسوق مع محافظ البنك المركزى الذي يضع الرؤية النظرية وهذا الاجتماع يعرف «بالمائدة المستديرة» لصياغة السياسة المالية والمصرفية وهوما يقوم به محافظ البنك الفيدرالي الامريكى، وقد أدى انفراد محافظ البنك المركزى بالقرار دون التشاور مع رؤساء البنوك الى إحداث فجوة بين الرؤية المصرفية النظرية لمحافظ المركزي وواقع السوق بالبنوك والذي عمل على زيادة حدة الأزمة،
أضف الى ذلك وجود أكثر من خمس جهات رقابية مهيمنة على الاشراف علي سوق النقد الأجنبي دون وجود تنسيق فيما بينها بل إن هناك تضاربا فى الرؤى، وتكاد تعمل تلك الجهات فى جزر منعزلة الأمر الذى يتطلب توحيد هذه الجهات تحت ادارة واحدة .
ويرى الدكتور ابراهيم أنه لا توجد رقابة بوليسية على سوق الصرف والقاعدة أن سوق الصرف تضبط نفسها بنفسها، ومن غير المعقول بعد أن تركت شركات الصرافة خمسة وعشرين عاماً تعمل كمنافذ معينة لتجميع قدر معين من الأموال وتعيد بيعه تحت مظلة وضوابط البنك المركزى، ومن يخرج عن القواعد يعاقب وليس من المعقول أن يتم اغلاقها لأنك ستحول العاملين الى تجار عملة دون ترخيص أو مظلة أو ضرائب فأنت تعالج مشكلة وتولد مشكلة أخري أكبر منها، والسوق الحرة لا يخضع إلا لقواعد العرض والطلب، أى أن الحل يتطلب زيادة موارد الدولار من سياحة وتحويلات العاملين بالخارج والاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة وحصيلة الصادرات وعائدات قناة السويس،
وقد كانت السياحة قبل 25 يناير تعطى عائداً يصل الى 14 مليار دولار ولدينا مكاتب تمثيل تجارى وادارات تابعة لهيئة الاستعلامات فى معظم دول العالم دورها الأساسى الترويج وفتح أسواق جديدة بأساليب مبتكرة وليس مجرد الحصول علي جوازات سفر دبلوماسية والحصول علي رواتب ضخمة بالدولار دون أن يقدموا شيئا، وضرورة انشاء فروع للبنوك الوطنية بالقرب من كل التجمعات العمالية المصرية فى الخارج حتى لا يلجأ المصريون الي تجار العملة فى الخارج .
السعر العادل
وحول السعر العادل للدولار مقابل الجنيه أكد أستاذ التمويل بالجامعة الأمريكية أن السعر العادل هو السعر المعبر الحقيقي للعملة المحلية أمام العملة الأجنبية وكلما زاد الطلب على الجنيه وزاد العرض من الدولار انخفضت قيمة الدولار أمام الجنيه وذلك بالانتاج والتصدير والسياحة والاستثمار وباقى موارد الدولار والسعر العادل حالياً يزيد على السعر الرسمى المعلن من قبل البنك المركزي .
يقول محمد البهي عضو هيئة مكتب اتحاد الصناعات المصرية إن الدولار سلعة يحكمها قوى العرض والطلب ولا يستطيع احد التحكم فيها حتي البنك المركزي الذي لا يستطيع زيادة الحصيلة والامر خرج عن سيطرة الجميع ، خاصة من انهيار السياحة وتوقف الاستثمارات الاجنبية الضخمة نتيجة عدم انجاز التشريعات المتعلقة بالاستثمار منذ حكم الرئيس الاسبق ، وايضا قانون الشركات والذي يستلزم تعديلات جوهرية مهمة خاصة انه بوضعه الحالي هو القانون الوحيد في العالم الذي يجبر رجال الاعمال علي ادخال شركاء معهم في شركاتهم، وايضا قانون العمل الذي يتحدث دائما عن حبس رجال الاعمال وكلها ألغام ترهب رجال الاعمال عن الاستثمار في مصر.
يؤكد البهي ان الوضع الحالي لأزمة الدولار كارثي للشركات العالمية العاملة في مصر لعدم قدرتها علي توريد ارباحها الى الشركات الام واذا أرادت الشراء من السوق السوداء يعني انها تفقد قرابة 50% من ارباحها فرق السعر بين السعر الرسمي المعلن من قبل البنك المركزي والسوق السوداء خاصة ان البنك المركزي ليس لديه القدرة علي توفير الدولارات التي تحتاجها هذه الشركات , كما ان ارتفاع سعر الدولار امام الجنيه أغري العاملين المصريين لبيعه لتجار السوق السوداء في الخارج فأثر اكثر علي موارد مصر من الدولار واصبح الوضع ككرة الثلج تكبر مع الوقت ولان الصناعة والانتاج تستورد معظم مكوناتها وقطع الغيار من الخارج وبالتالي ارتفاع سعر الدولار يؤثر بالسلب علي الصناعة سواء الموجهة للتصدير او للسوق المحلية كصناعة الدواء التي لا تستطيع ان تستورد الخامات إلا بالسعر الرسمى لأنها لاتستطيع بيع منتجاتها الا بالسعر الرسمي .
إدارة الأزمة بكفاءة
والحل كما يراه البهي يتطلب من صانعي القرار التفكير خارج الصندوق والقدرة علي ادارة الازمة بكفاءة ولدينا العقول القادرة علي اداء هذه المهمة بإتقان ، وضرورة تدخل القيادة السياسية للاسراع في الانتهاء من وضع التشريعات الميسرة للاستثمار والتخطيط لوضع خريطة لجذب الاستثمار كما فعلت المغرب في صناعة السيارات ووصلت صادراتها في هذا القطاع فقط الي 7 مليارات يورو سنويا ، ونفس الوضع في تونس التي دخلت مجال صناعة المحركات ، خاصة ان فرصة مصر افضل في تحقيق قفزة اقتصادية ضخمة في تلك المرحلة باستقطاب وجذب الاستثمارات العربية التي كانت قائمة في ليبيا وسوريا والعراق واليمن وايضا الاستثمارات الاجنبية التي كانت قائمة في هذه الدول وخرجت منها بسبب الاحداث الملتهبة وتلك الاستثمارات بآلاف المليارات أضف اليها الاستثمارات العربية والاجنبية بامريكا واوروبا واليابان والتي اصبحت تعطي عائدا ضئيلا لتشبع الاسواق لديهم اضف الي ما سبق الموقع الجغرافي والمناخ والعمالة والسوق الضخمة والاتفاقيات التجارية التي ابرمتها مصر ولم تستغلها الاستغلال الامثل حتي الآن , والامر في غاية السهولة لجذب آلاف المليارات بوضع منظومة تشريعية قوية تساند الاستثمار , واكد البهي من خلال اللقاءات التي تجمعه مع رجال الاعمال في دبي وخاصة في جبل علي ان هناك رغبة قوية من مستثمرين عرب كبار خاصة من العراق وسوريا للدخول في السوق المصرية وضخ استثمارات بعشرات المليارات الا انهم يرفضون دخول استثماراتهم مصر تحت بند دواع امنية رغم انهم مستثمرون كبار يأتون في وفود رسمية مع وزراء الاستثمار .
دافع علي الحريري سكرتير عام الشعبة العامة لشركات الصرافة باتحاد الغرف التجارية عن شركات الصرافة موضحا انها تعمل في السوق المصرية منذ بداية التسعينيات ولم يكن هناك تحديد لسعر الصرف للعملات الاجنبية بما فيها الدولار ولم يبدأ تحديد السعر إلا في عهد الدكتور عاطف عبيد وشهدت فترته حالة من عدم الاستقرار في اسعار صرف العملات الاجنبية حتي جاء الدكتور فاروق العقدة ليتولي منصب محافظ البنك المركزي والذي اتبع عدة اجراءات ادت الي تراجع سعر الدولار من قرابة سبعة جنيهات وربع الجنيه ليصل الي خمسة جنيهات ونصف الجنيه بالتنسيق مع البنوك وشركات الصرافة , واستمر الوضع حتي نهاية فترة هشام رامز وفترة تولي طارق عامر المحافظ الحالي للبنك المركزي والذي يبدوأن الحظ يقف ضده علي حد وصف الحريري – لوجود انخفاض حاد في الموارد الدولارية خاصة في سياحة وتحويلات العاملين في الخارج وانخفاض قيمة الصادرات … مما تسبب في حدوث ازمة عرض من المطروح في السوق من الدولار .
ولكن ثبت بالفعل تلاعب بعض شركات الصرافة ومضاربتها في السوق علي الدولار؟
ثلاث جهات
ويقول الحريري انا لا أقول إن شركات الصرافة جميعها نزيهة ولا تتاجر في الدولار فالعاملون في هذا القطاع جزء من المجتمع فيهم الصالح والطالح والشركات المخالفة يطبق عليها القانون وبالفعل تم إغلاق قرابة 33 شركة وفرعا ، موضحا ان هناك ثلاث جهات تشارك في المسئولية تبدأ بالمستوردين الذين يشجعون علي إيجاد السوق السوداء بعرض شراء الدولار بشكل غير رسمي بأي سعر لشراء سلع بشكل عشوائي لا يحتاج اليها السوق بشكل ضروري كالفوانيس والالعاب النارية واكسسوارات المحمول وغالبيتها سلع رديئة سريعة التلف تمثل أموالا مهدرة بالاضافة الي قيامهم بضرب الفواتير الاستيرادية ، والثاني هم المسئولون الذين تجاهلوا نصائح اصحاب شركات الصرافة في عهد حكومة عاطف عبيد عندما منحوا تجار العملة المشبوهين رخص انشاء شركات الصرافة دون محاذير او رقابة رغم مطالبتنا المستمرة للبنك المركزي في ذلك الوقت بضرورة وضع ضوابط لبيع وتملك شركات الصرافة , الثالث الاعلام وتشجيعه للسوق السوداء بالاعلان المستمر عن فارق السعر بين السوق الرسمية والسوق السوداء والتخويف من انهيار سعر الجنيه جعل الجميع يحول امواله من الجنيه الي الدولار , رابعا الاجراءات التي اتخذها هشام رامز محافظ البنك المركزي السابق والتي جعلت المستوردين يقومون لاول مرة منذ اكثر من عشرين عاما بشراء الدولار من المصريين العاملين بالخارج خاصة بدول الخليج وانهي حديثه علي تأكيد ان السبب الرئيسى هو انخفاض موارد الدولار وان اغلاق شركات الصرافة لن يحل الازمة فلدينا قرابة 500 شركة صرافة بفروعها علي مستوي الجمهورية واذا تم اغلاقها فهذا يعني انك تولد عشرات الآلاف من تجار العملة