إهدار المياه فى الشوارع عرض مستمر

علاء حامد
9 Min Read

مياة مهدرة ، توك توك

بيدنا لا بيد عمرو، فبينما أعصاب المصريين مشدودة خوفا مما سيحدث فى إثيوبيا بعد بناء السد، والتأثير المتوقع فى مياه النيل، نجد هؤلاء المصريين أنفسهم لا يبالون بإهدار المياه فى الشوارع والمنازل، فيتفننون فى إسراف المياه من رى الحدائق ورش الشوارع وغسل السيارات، وداخل منازلهم أيضا تجد الاسراف نفسه.

وما يحدث الآن، أنه إسراف هنا وتقتير هناك، فبينما محافظات تسرف فى المياه بطريقة غير واعية، نجد العطش يضرب عدة محافظات فى الوجهين البحرى والقبلى منذ شهور عديدة، مما دعا المواطنين إلى التظاهر وقطع الطرق، وشراء جراكن مياه بأضعاف قيمتها ثلاث مرات.

إهدار المياه ليس فقط من المواطنين، بل تشارك الحكومة بنسبة الضعف، وذلك بسبب البنية التحتية المائية الفقيرة، فمواسير المياه كثير منها متهالك، يحتاج إحلالا وتجديدا يتكلف مليارات الجنيهات، وهذه البنية المتهالكة تتسبب وحدها فى فقد ما لا يقل عن 50 % من إجمالى الفقد.

ومنذ سنوات عديدة، تخرج الحكومة بين الفترة والأخرى بتصريحات عن الشروع فى إصدار قانون لتجريم إهدار المياه، وأنه سوف يعرض قريبا على مجلس النواب، الشعب سابقا، ثم تصمت الحكومة، ومع أزمة جديدة تخرج التصريحات القديمة، عن قرب إصدار قانون لتجريم إهدار المياه، وهكذا، فهل ستصدق الحكومة هذه المرة فى وعدها، أم ستأتى مشكلات أخرى تغطى على هذا القانون؟

د. محمد حسان رئيس جهاز تنظيم مرفق المياه قال إن القانون الجديد المزمع طرحه على مجلس الوزراء والبرلمان ليس لتجريم إهدار المياه فقط، بل هو قانون لتنظيم قطاع مياه الشرب والصرف الصحى، ذلك أنه يتعرض لكل مشكلات المياه والصرف الصحى، ويحدد أدوار كل الجهات العاملة فى هذا المرفق الحيوى، خاصة فى ظل إهدار مياه الشرب، وتعدد أوجهه، كاستخدام المياه فى غير أغراض الشرب، ورش الشوارع وغسل السيارات، إضافة إلى الوصلات غير القانونية، ورغم أن هذه الوصلات مجرمة، فلم يكن لها نص قانونى واضح، وكان يتم استخدام ضبطيات قضائية من خلال قرارات وليس قوانين، وتأخر صدور القانون كان بسبب تعاقب الوزراء، وهو حاليا تتم مراجعته لدى المستشار القانونى للوزارة وعلى وشك الانتهاء منه.

ومن أهم ملامح القانون ــ كما يضيف د. حسان ــ وجود ضبطية قضائية لبعض العاملين ولكن بشكل قانونى وليس بقرار، وعملهم هو المرور فى الشوارع وعلى المصالح الحكومية، وتشكيل إدارات للوصلات المسروقة، ومعاقبة من يستخدم المياه فى غير أغراضها المخصصة لها ، ومن المتوقع مناقشة هذا القانون خلال دورة الانعقاد الثانى لمجلس النواب.

ويضيف أن من أوجه الإهدار ما يتم فى المنشآت الحكومية، إذ تفتقد الصيانة الدورية، من ثم يحدث هدر كبير لمياه الشرب، وكان الامر نفسه يسرى على دور العبادة ولكن منذ إلزام هذه الدور بدفع فواتير المياه أصبح الإهدار قليلا، وتوقفت الاستثناءات للجهات الحكومية منذ إقرار مجلس الوزراء تعريفة جديدة عام 2013.

وقال د. حسان إن فاقد مواسير المياه، وفاقد مياه غير محاسب عليها، وانفجار المواسير، وحنفيات الحريق، كل ذلك يدخل فى الفاقد، ونسبة الفاقد فى مصر 30% والأرقام العالمية نسبة الفاقد من 10 إلى 15%، والسؤال هل من الممكن النزول إلى النسبة العالمية؟ نعم، إذا تم الاهتمام بالبنية التحتية، فلدينا شبكات تفوق الـ 30 سنة وتحتاج إلى إحلال وتجديد، وهى تحتاج إلى نحو 8 مليارات جنيه، وهى تمثل من 20 إلى 30% من إجمالى أطوال الشبكات.

وأضاف أن نصيب الفرد من المياه فى مصر نحو 300 متر يوميا، يصله نحو 130 بعد الفاقد من إجمالى إنتاج 25 مليون متر مكعب يوميا، وفى أوروبا فإن النسبة 110 إلى 150 مترا.

الحل ليس فى التجريم

رئيس لجنة الإسكان بمجلس النواب، مهندس معتز محمود، رفض هذا المسمى تماما، و قال لا يوجد ما يسمى تجريم إهدار المياه، والحل هو رفع الدعم عن أسعار المياه، ومن هنا فإن المواطن سوف يحافظ على المياه ويتوقف عن إهدارها، كما حدث مع الكهرباء، فحين ارتفعت أسعار الكهرباء حدث ترشيد لها، وبالمثل سوف يحدث ذلك مع المياه.

وقال إن الأزمة ليست فى إهدار المياه فى الشوارع، الأزمة فى الإحلال والتجديد لشبكات المياه التى تتسبب فى فقدان ما يقرب من 50 % من مياه الشرب، وبسبب عجز الميزانية لا تستطيع الدولة القيام بعملية الإحلال والتجديد التى تحتاج إلى نحو 11 مليار جنيه، والموجود هو 3 مليارات مخصصة لمياه الشرب سنويا، وتحتاج إلى 5 مليارات لتوصيل مياه الشرب إلى القرى التى لم تصلها المياه حتى الآن، إذا نحن فى حاجة إلى مبالغ ضخمة للغاية لضبط هذا المرفق والحفاظ على المياه.

وأضاف رئيس لجنة الإسكان، إننا من جانبنا سنسعى إلى ضبط مخالفات المياه من خلال التعديلات المقترحة على قانون 119 الخاص بالبناء الموحد، للحد من الإهدار وضياع أموال الدولة، ومع ذلك ينبغى اتخاذ خطوات جادة لوقف الهدر، منها توصيل مياه عكرة لرى الحدائق، وإجبار المزارعين على الرى بالتنقيط، وتطبيق الدورة الثلاثية، ومحاسبة من يخالف بعقوبات كبيرة.

هيكلة السياسة المائية فى مصر

الدكتور أحمد فوزي دياب، أستاذ المياه بمركز بحوث الصحراء وخبير المياه بالأمم المتحدة، يقول: بادئ ذى بدء وقبل الحديث عن طرق إهدار المياه، ينبغى علينا أولا أن نعيد هيكلة السياسة المائية فى مصر، فالسياسة المائية حاليا تسير بالمسكنات، فما لا يعرفه كثيرون أن نهر النيل لدينا نهر مغلق، أى أنه يستقبل مياه نهر النيل ومياه الصرف الزراعى والصحى والصناعى، وهذه المكونات تحدث وفرة مائية تكفى لاحتياجاتنا المائية حتى الآن، فالميزانية المائية حاليا 80.5% مليار متر مكعب، فى حين أن الإيراد المائى 5.5 مليار متر مكعب، وذلك على حساب ارتفاع ملوثات المياه وملوحة المياه، وكلاهما يؤثر تأثيرا مباشرا على الصحة العامة للمواطنين وعلى الانتاج الزراعى، فملوثات المياه تأتى من الصرف الصحى والصناعى، وملوحة المياه من الصرف الزراعى والتربة الزراعية، فمياه الصرف دائما وأبدا تكون أعلى ملوحة من مياه الرى.

والوضع الحالى كما يشير د. فوزى دياب فى ظل فجوة غذائية تصل إلى نحو 50%، ونحن فى حاجة إلى حبوب وزيوت وسكر، نحتاج إلى نحو 30 مليار متر مكعب مياه لسد هذه الفجوة من خلال رى مساحات أراض زراعية جديدة، وهذه الفجوة كان من المفترض أن تسد عن طريق قناة جونجلى ولم تتم، وعن طريق نهر الكونجو ولم تتم، عن طريق التعاون مع جنوب السودان ولم تتم.

ومن أسف، بل المفزع والمخيف ــ كما يقول د. دياب ــ أن استهلاك معدل مياه الشرب فى مصر هو الأعلى فى العالم، فنحن نستهلك ما بين 11 و 11.5 مليار متر مكعب سنويا للاسف الشديد، يضيع أكثر من نصفها فى الشبكات المتهالكة، والنصف الباقى أى نحو 3 مليارات متر معكب يضيع من خلال التعامل غير المرشد من قبل المواطنين، إما من خلال عدم التعاون الجاد من شركات المياه ضد من يهدر المياه، أو من خلال الوصلات غير القانونية، واستخدام مياه الشرب فى عمليات الرى، فى الأراضى والحدائق.

والمشكلة تكمن أيضا فى المياه المتسربة، حيث إنها ترفع منسوب المياه الجوفية، وتؤدى إلى تدهور المناطق المنخفضة، ومعظمها تكون فى المناطق الأثرية، أو إحداث هبوط فى الطرق بعد إنشائها، ومن هنا ترتفع مناسيب المياه نتيجة هذا التسرب، ومع التناقص المحتمل فى المياه الواردة من إثيوبيا سوف ترتفع نسبة الملوثات الناتجة عن الصرف الصناعى والصحى، وبالتالى ستحدث أضرار كارثية بالنسبة للشعب المصرى تؤدى إلى تدهور الصحة العامة وتدهور المزروعات والمأكولات، ويؤدى عدم التخلص منها إلى كارثة.

ويضيف أن الحل الوحيد هو الحفاظ على نهر النيل، والتعامل مع هذه الملوثات من خلال ما يسمى علم إدارة الأزمات، ليس من خلال عدم توقع حدوث الأزمة بل التعامل معها فورا من خلال سياسة إدارة المياه فى مصر، وتضافر جهود وزارة الرى والزراعة وشركة مياه الشرب لوضع سياسة مائية جديدة، فعلينا أن نجعل نهر النيل محمية طبيعية بعيدا عن الملوثات الصناعية والزراعية والصحية.

Share this Article
Leave a comment