الدكتور أحمد سالم
بقلم: دكتور أحمد سالم – مدرس العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر.
نعيش اليوم ذكرى احتفال منظمة اليونسكو باليوم العالمي للشباب، والذي حدّدته الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 12 آب/أغسطس يومًا دوليًّا للشباب لأول مرة في عام 1999م، ويشكل هذا اليوم احتفالا سنويا بدور الشباب بوصفهم شركاء أساسيين في التغيير، وفرصة للتوعية بالتحديات والمشكلات التي تواجه عالم الشباب، والاحتفال بالطاقات الكامنة للشباب بوصفهم شركاء في المجتمع المحلي والدولي ولتشجيعهم على المشاركة في عملية صنع القرارات.
إن الشباب هم وقود الأمة ومستقبلها، ورمز عزتها وكرامتها بما يملكونه من مواهب وطاقات بشرية خلاقة وعزيمة وإصرار على تحقيق الآمال والطموحات، ولا توجد دولة قوية لا تعتمد على الشباب في بناء مؤسساتها الإدارية أو الرقابية؛ لأنهم يملكون حسًّا مليئًا بالطاقة والنشاط، ولديهم القدرة على العمل لمدة أطول من غيرهم.
وأبدأ حديثي بطرح هذا السؤال: كيف يحقق المجتمع الاستفادة المثلى بالشباب ؟
للإجابة على هذا السؤال تراءى لي تسجيل مجموعة من الرؤى الكفيلة – إن شاء الله- بتقليل الفجوة بين المربِّين والشباب، ليكون بمقدورهم مُواجهة التحدِّيات التي يواجهونها، وهي على النحو الآتي:
أ- لا للنظرة الدونية للشباب:
فالشباب هم الطاقةُ الأهمُّ والأقوى لإحداث التغيير المرتقب، لما يتحلّون به من قوةٍ بدنيةٍ، وقدرةٍ عقلية، وخصائص نفسية، من شأنها أن تصنع المستحيل، أو ما يُخيَّل إلى البعض استحالته.
لذلك فقد أولى الإسلام عناية خاصة بهم، ولم ينظر إليهم نظرة دونية، وبداهة إنَّ اهتمام النبي – صلى الله عليه وسلم- بالشباب تمثّل في ممارسته العملية، قبل كلماته النظرية، والأمثلة على ذلك قد تطول، ويكفينا بهذا الصدد أن نستحضرَ حادثة تعيينه لأسامة بن زيد، وهو لم يتجاوز الثامنةَ عشرة من عمره، ليكون قائدًا لجيوش المسلمين ضدَّ امبراطورية الرومان، فأيُّ عناية هذه، أن تولِّي شابًّا على جيشٍ يحوي كبار الصحابة سنًّا ومكانة اجتماعية، ولكنها الحكمة النبوية التي تعطينا درسًا؛ لنفقه أن العبرة: بالكفاءة لا بالمرحلة العمرية.
ب- دعوة الشباب للمُشاركة في التفكير والإبداع والتغيير.
قد ينشغل صناع القرار أحيانًا في التفكير بالطرق الأجدى من أجل تربية وتوجيه الشباب، وربما يغفلون أنهم العنصر الأهمُّ في إيجاد الحلول لكثير من المشاكل والأزمات، ولذا من الأهمية بمكانٍ أن يشارك الشباب في عملية التفكير والتخطيط هذه، لرسم الآليات الكفيلة بتحقيق النجاح الملموس في واقعهم، ولا يصحُّ أبدًا أن يتشدَّق المجتمع بالمكانة التي يضعُها الإسلام للشباب، ثم يمارس عليهم دورَ الوصاية ويصمهم بالطيش، وهو سلوك مرفوض لديهم، ولا غرابةَ أن تجدهم يستهجنون القائمين به؛ لأنهم يرون ضرورة أن ينعموا بالاستقلالية؛ وأن لديهم القابلية للإسهام في تغيير الواقع، وربما بطريقة أجدى نفعًا من الطرق التي ينتهجها الجيل القديم.
ولابد للمجتمع أن يعلم أن شباب اليوم يعيش تغيرات تكنولوجية سريعة واجتماعية عميقة، فيصبح الماضي أكثر بعدًا عن الحاضر، كما أصبحت معايير وأنماط الحياة الماضية بعيدة عن الحاضر. من هنا نجد أن العلاقات بين الأجيال تزداد ضعفًا، وهذا يقود إلى اتساع الثغرة بين الآباء والأبناء ويقل تأثير الآباء على الأبناء، وتزداد المصاعب في أن يفهم أحدهما الآخر، فيرى الأبناء أن نظرة آبائهم قديمة، كما يرى الآباء بأن مواقف أبنائهم متحررة غير مقبولة، ومن هنا يبدأ الخلاف والصراع.
ولنا في رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة، في اعتماده على الشباب في مهام جدّ خطيرة، ومنها توليتُه مصعب بن عمير، لأمر تبليغ الإسلام في المدينة المنوَّرة، بالرغم من كونه شابًّا، فصغر سنِّه لم يحُل بينه وبين تولي مسؤولية كبيرة، في ظلِّ الرعاية النبوية، التي عملت بمبدأ: “الكفاءة أولًا”، وهذا مطلب كل العقلاء.
ج- الحاجة للبرامج العملية لتكون جانبًا تطبيقيًّا للأفكار النظرية.
ليس من الصحيح التركيز على الأفكار النظرية الموجهة للشباب فقط، -وإن كان المجتمع مقصرًا في هذا الجانب أيضًا- إذ لا بد أن تصاحب الأطروحات النظرية الموجّهة للشباب برامج عملية تكفل انشغالهم وتملأ أوقات فراغهم؛ ليتمكنوا عبرها من صقل قدراتهم وإمكاناتهم، وبهذا تكون النتيجة المرجوة بأنهم سيسهمون في نماء مجتمعاتهم.
نجد في هذه الآونة أن بعض الشباب قد ملَّ من لغة التهميش ووصمهم بصفات الطيش وعدم القدرة على تحمل المسئولية، بما ينعكس تأثيرها بالسلب على حياتهم وسلوكهم، فهم في أمس الحاجة لأماكن تحتضن قدراتهم وإبداعاتهم، ومراكز تُنمِّي مواهبهم، وفي أضعف الإيمان، يحتاج الشباب لتجمعات يمارسون فيها هواياتهم البريئة، إضافة لتشجيعهم على الانضمام للأندية الرياضية، والدورات الثقافية الموجهة، وهم بحاجة أيضًا للترويح عن النفس؛ بمشاركتهم في الرحلات الترفيهية الهادفة،…إلخ.
وغني عن البيان؛ أن المجتمع بمؤسساته المختلفة عندما يتنصَّل عن الإسهام في تحقيق هذه التطلعات، فلا عجب أن رأينا ازديادًا في: حالات الانهيار الأخلاقي، والسرقة، والعنف، والإدمان، إضافة للسلوكيات السلبية التي يعاني منها المجتمع.
وجدير بالذكر أن بعض التقارير العلمية ذكرت أن من أبرز الدول التي تنخفض فيها نسبة الجريمة على مستوى العالم هي اليابان، وذلك لأنها من أبرز الدول التي تحتضن مؤسسات اجتماعية تُعنى بالشباب، ومن بينها مؤسسة يُطلق عليها «وحدة الإرشاد والتوجيه للشباب» تضم 126 ألف عضو متطوع. وكذلك «مؤسسة المرأة لإعادة التأهيل» تضم 320 ألف متطوعة. فكل مشكلة من المشاكل تجد لها مؤسسة متخصصة بدراستها وبوضع الخطط لمواجهتها وبالتحرك تجاهها، بينما لا يتجاوز الاهتمام عندنا مجال الحديث عن المشكلة دون أن يتكفل المجتمع بتأسيس المؤسسات واللجان المتخصصة لدراسة مشكلات الشباب ومن ثم البحث لها عن حلول.
والشباب بحاجة لمن يعينهم في تحديد مساراتهم المستقبلية، من أجل ترشيد عملية التفكير لديهم بطريقة واعية، لذا كانوا إلى الإعانة والتوجيه أحوج؛ لأن الشاب قد يتخبط في قراراته، نتيجة للمرحلة المضطربة التي يمر بها، وما تفرزه من تقلبات في المزاج والقرار؛ إضافة لمحاولته تقمص الشخصيات الناجحة الأقرب إلى نفسه، فهو قد ينوّع في يومه وليلته بين عشرات الشخصيات التي لا يجمعها جامع مشترك؛ إلا النجاح والشهرة؛ وبعض الشباب يصاب بإحباط شديد عندما يكتشف أنه ضل الطريق، وأنه يلهث وراء السراب، ظنًّا منه أن المجتمع يجب عليه توفير فرصة عمل تليق به فور تخرجه.
وليس ببعيد منا قصة الشاب المصري الذي مزق شهادته الجامعية ، ثم قام بوضعها في كوب ماء وشرب ماءها، عملا بمقولة “بلها واشرب ماءها”، ظن هذا الشاب أنه بمجرد تخرجه هذا العام 2015م، وحصوله على بكالوريوس العلوم بتقدير جيد أنه سيجد الوظيفة الحكومية في انتظاره، وهذا خطأ محض منه، وإن كان للمجتمع يد في تكوين هذه الصورة لديه، فخطؤه يتمثل في عجلته وعدم تجمله بالصبر حتى ينعم بما قسم الله له، وخطأ المجتمع في عدم توجيه هذا الشاب – ومثله الكثير- وعدم توعيته بتحديات المستقبل، وما هي أسواق العمل التي تنتظرهم ليستفيد المجتمع منهم، فلم يجد بدا من القيام بهذه الفعلة الحمقاء ليرضي بها فكرة اليأس التي ألمت به.
من خلال هذا المثال يتبين لنا جليًّا أن المربين عليهم توجيه وإعانة الشباب لبلورة خياراتهم الأقرب إلى أنفسهم وقدراتهم، وإن لم يهتموا بهذه المسألة، ولم يفسحوا المجال للشباب في ممارسة رغباتهم بلعب دور اجتماعي ضمن توجيه صالح، فستكون النتيجة أحد شيئين: إما أن تخمد طاقات الشاب، وتقتل مواهبه، وتدفن طموحاته.. وإما أن يبادر إلى ممارسة أدوار منحرفة، ويقوم بأعمال فاسدة.
وفي الاحتفال باليوم العالمي للشباب ينبغي أن نتحدث أيضًا عن دور الأزهر الشريف في احتضان شباب العالم، ودوره أيضًا في تقديم الخدمات التعليمية والاجتماعية والثقافية إلى شباب الوافدين من شتى بقاع العالم، وكان آخر ما قامت به مؤسسة الأزهر انطلاق مشروع تأهيل شباب الوافدين وذلك لتأهيل الطلاب وترشيد فهمهم للعلوم الإسلامية وفق المنهجية العلمية الوسطية للأزهر الشريف؛ وذلك لحمايتهم من الأفكار الدخيلة والمتطرفة، وحفاظاً عليهم من محاولات استقطابهم من جانب الجماعات المتطرفة والمنحرفة لاستخدامهم في نشر الأفكار التكفيرية إضافة إلى إعدادهم بما يتواءم مع التحديات الراهنة ليكونوا سفراء للأزهر الشريف في بلادهم، وليعملوا على ترسيخ مفاهيم السماحة والتعايش السلمي واحترام الآخر في بلادهم.
كما قام الأزهر الشريف بإرسال قوافل دعوية تجوب مراكز الشباب داخل الجمهورية وذلك لحماية الشباب من المخاطر التي تواجه مستقبلهم، وتعالج مشكلاتهم، إضافة إلى مشروع الرواق الأزهري بالجامع الأزهر الشريف والذي يهدف إلى خدمة جميع أطياف المجتمع خصوصًا الشباب، ويعد الشباب هم دائرة اهتماماته الأولى وتتضافر جهوده مع جهود مشروع سفراء الأزهر الذي تتولى رعايته الرابطة العالمية لخريجي الأزهر، ويهدف إلى تثقيف الشباب وتنمية قدراتهم في مجالات شتى مثل التنمية البشرية والحاسب الآلي والتواصل الفعال.
وختامًا أقول: إن الشباب هم عماد الدولة والركيزة الأساسية في قاطرة التنمية المستقبلية، وثروتها الكبيرة التي يجب استثمارها في هذه المرحلة أفضل استثمار لأنهم هم الوقود الحقيقي للنهضة، فهم نصف الحاضر وكلُّ المستقبل.