بحيرات وادي الريان تغرق في رمال الصحراء.. تعديات سافرة في غياب السلطة

علاء حامد
5 Min Read

بحيرات وادي الريان تغرق في رمال الصحراء

بحيرات وادي الريان

لا يكترث الحاج جمال، لجفاف بحيرات محمية وادي الريان وتراجع مستوي السياحة بالمنطقة، علي الرغم من سجله الحافل بـ”المحاضر” وكثرة الأحكام القضائية التي حصلت عليها إدارة المحمية ضده وضد كثيرين، فيما تقف السلطات المعنية بتنفيذ القانون مغلولة الأيدي

حين قام جمال بتغيير مجرى البحيرة العليا بوادي الريان ليروي أرضه – التي أخذها بوضع اليد – لم يكن مواطنًا بسيطًا يبحث عن لقمة عيش له ولأسرته، وإنما تاجرًا، يضع يده على الأرض ويبيعها من أجل المكسب غير المشروع.

في الوقت الذي يخشى فيه ياسر (بائع)، من تأثير الجفاف على منسوب مياة الشلالات حيث يدرك الشاب الثلاثيني الذي تظهر على ملامحه علامات الشقاء أن التغيرات البيئية ستقضي بالتبعية على السياحة بمنطقة وادي الريان التي تقع جنوب غرب محافظة الفيوم.

يقوم ياسر (عامل الكافيتريا) في الصباح الباكر لترتيبها منتظرًا وصول الوفود السياحية التي تأتي طالبة للشاي أو القهوة أو بعض الحلويات، ليجمع قوت يومه فالمواطن البسيط مصدر دخله الوحيد من زوار وادي الريان التي أعلنت عام 1997 محمية طبيعية، وهي عبارة عن منخفض عميق من الحجر الجيري، تنصرف إليه كميات من مياه الزراعة بالفيوم، زادت أهميتها بعد إعلان “وادي الحيتان” منطقة تراث عالمي.

تتميز المحمية بوجود منطقة العيون، والبحيرة العليا والسفلى التي تتميز بثروتها السمكية النادرة، بالإضافة لمنطقة الشلالات وجبل المدورة وقارة جهنم ومنطقة عيون الريان، وجبل الريان.

ارتفع منسوب المياه الجوفية بالمناطق الزراعية بالفيوم، مما هدد حياة الأراضي، فقرر الرئيس الراحل “أنور السادات” (1970-1981) إنشاء مصارف للتخلص من المياه الجوفية.

تجمعت مياه الصرف الزراعي لتكون البحيرة العليا، والتي تبلغ مساحتها 65 كيلومتر مربع، وعمقها 22 متر، ومياهها عذبة ومتجددة، ومع كثرة منسوب المياه بالبحيرة، بدأت تصرف المياه إلي مكان أكثر انخفاضًا، وهي “البحيرة السفلي”، والتي تصل مساحتها إلي 100 كيلو متر مربع، عمقها 34 متر، ومياهها مالحة.

بين البحيرتين تكونت الشلالات بشكلها الجذاب، الذي تقصده الوفود للاستجمام والتصوير، وتعتبر مصدر دخل كبير للمحمية وبالتالي للدولة.

يقول عرفه السيد أمين، مدير محمية وادي الريان سابقًا، إن البحيرة العليا التي تتسم مياهها بالعذوبة، كانت محل استغلال من بعض الأهالي الذين قاموا بالتعدي عليها بالزراعة، ولأن إدارة المحمية ليست جهة تنفيذية، “فلم يكن باليد حيلة”، سوى تحرير محضر تعد ضد المعتدي على البحيرة.

يكمل عرفه، باحث شئون بيئة أول بقطاع حماية الطبيعة، حديثه قائلًا: التواجد الأمني بالمنطقة ضعيف منذ ثورة يناير، “قمنا بتحرير عدد كبير من المحاضر بالمحمية، لكن محافظة الفيوم والمجلس المحلي لا يجرؤ على التطبيق وتنفيذ قرار المحكمة، بدون تواجد الشرطة، والتي ترفض الحضور والمساهمة في الحفاظ علي المحمية”.

يكشف الدكتور محمد سامح، مدير عام المنطقة المركزية بمحمية وادي الريان، أن مساحة البحيرة العليا تقلصت إلى 32 كم2، مما أثر على منسوب مياه البحيرة السفلى، وبالتبعية تأثرت منطقة الشلالات التي تعد همزة الوصل بين البحيرتين.

“الأهالي يزرعون بجوار المحمية بنية الاستثمار، فكل من يضع يده على قطعة أرض، يزرعها، ثم يسرع ببيعها لشخص آخر، حتى يستفيد هو بالمال، ويهرب من القضاء، ومحاصرة رجال المحمية له” وفقا لمحمد سامح الذي يرى أن تداخل الاختصاصات بين الوزارات المعنية بإدارة المحمية، هو السبب في كثرة التعديات وضياع أرض ومياه المحمية.

يضيف عصام السعداوي، باحث بقطاع حماية الطبيعة، ومن المسئولين عن إدارة المحمية، أن التعديات علي حدود البحيرة العليا من قبل السكان المحليين وصلت إلى مساحة لا تقل عن 2000 فدان، وفي تزايد مستمر بسبب ضعف الجهات المسئولة عن الإزالات، متمثلة في وزارة الداخلية، والحكم المحلي والمحافظة “مجلس المدينة”.

“نفق وادي الريان” هو مشروع قومي بدأ إنشاؤه عام 1967 والانتهاء منه عام 1973حيث تتجمع فيه المياه لتصل إلى البحيرة العليا.

ولم يكتف الأهالي بالتعدي علي البحيرة فقط، وإنما اتجهوا للنفق، حيث دأبوا على إلقاء الحجارة داخله لحجز المياه، وسحبها بمواتير كبيرة لري الأراضي الزراعية، وكأنهم يسعون بكل الطرق لتدمير البحيرات، والقضاء علي السياحة الداخلية بالمنطقة، كما يقول عصام السعداوي.

ينتظر ياسر من المسئولين أن يقوموا بواجبهم، ويحموا أرض المحمية وبحيراتها من التعديات للحفاظ على مصدر دخله، لكن الحاج جمال الذي ينظر إلينا بارتياب مازال يخطط للاستيلاء على مزيد من الأراضي في غياب أي سلطة.

Share this Article
Leave a comment